شامخةٌ على خشبة المسرح، ضحكتها آسرة، وعيناها ترميان الحضور بأسهمٍ من نورٍ. واثقةٌ من نفسها، غير مرتابةٍ من عدسات المصورين وكاميرات القنوات الفضائية، وصوتها مثل شباكِ الصياد التي تجمع الأسماك الصغيرة من حولها؛ راحت تغني وتغني، والابتسامة كشمسٍ كلما مر الوقت ازدادت إشراقاً!
صوتها، الأداء، والشخصية المتمكنة، كل تلك الصفات جعلتني أعتقد أن الفتاة السعودية ذات السحنة السمراء، هي إحدى المشرفات على أجنحة "إدارة الوقت" بسجنِ "الحائر" التابع لـ"المباحث العامة" في العاصمة السعودية الرياض!
مضى الوقت جميلاً، دلفتُ إلى مخدعيَّ، لأعود في اليوم الثاني من جديد لأروقة معرض "أجنحة إدارة الوقت"، وأرى الفتاة واقفة وحدها في الركنِ المخصص لمنتجات النزيلات. اقتربت منها، بدأتني بابتسامة لا ينقصها الأدب والجلال، وبادلتها السلام، وقلت لها: ماشاء الله عليك، كنت مبدعة بالأمس على المسرح، أثناء أدائك في الحفل.. أنت مشرفة على الجناح؟ أجابتني بعد شكري على الإطراء: لا، أنا نزيلة في "إدارة الوقت"!
الفتاة التي أطربت الحضور، ونثرت البهجة في أرجاء القاعة، كانت إحدى السجينات، ولم تكن كما ظننتُ منسوبة في جهاز "المباحث".
الحديث دارت رحاه بيننا: لكنكِ لا يبدو عليك أنك سجينة! لديك من الثقة بالنفس والابتسامة والعنفوان الشيء الكثير. كما أن مظهرك لا يشير إلى التشدد، أو أنك إحدى فتيات "داعش" أو "القاعدة" اللواتي ذهبنَ لدولِ الصراع من أجل الالتحاق هناك بالمقاتلين.
دون أن ترتبك، ابتسمت، وقالت: الحمد لله، أنا نزيلة في أجنحة "إدارة الوقت" ونحن بخير وسلامة، أما قضيتي التي أوقفت بسببها، فربما لا يحق لي قانونياً أن أتحدث الآن حولها.
هل يمكن أن أعرف اسمك؟ أجابتني بالإيجاب، وأخبرتني من تكون، متجاوزة أي خجلٍ أو تردد قد تستجلبه العادات الرتيبة والتقاليد المجتمعية العتيقة التي تخجل من اسم المرأة.
عندما أزور سجن "الحائر" مستقبلاً، وأذهب إلى الأجنحة المخصصة للنساء، أيمكن أن ألتقيك لأعرفَ عن تجربتك أكثر؟ سألتها، فكانت مرحبة بالفكرة بعد التنسيق مع المشرفين على إدارة السجن.